الأحد، 22 يوليو 2018

ما هو مُستقبل أندرويد بعد تلقيه أكبر غرامة احتكار في التاريخ؟

أندرويد

بعد فترة طويلة من الدراسة والأخذ والرد، فرض الاتحاد الأوروبي على شركة جوجل غرامة مالية ضخمة بلغت حوالي 5 مليارات دولار أمريكي بتهمة ممارسة الاحتكار والإضرار بالمُنافسة من خلال نظام التشغيل أندرويد، وهي أكبر غرامة في قضية احتكار تتلقاها أي شركة على الإطلاق.

لا بد أنك قرأت الخبر لكنك تتساءل ما هو تأثير مثل هذا الاتهام وهذه الغرامة الكبيرة على مُستقبل أندرويد، وما الذي يعنيه بالضبط اتهام جوجل بالاحتكار وما الذي يُمكن أن يتغيّر.

الإجابة القصيرة: لا شيء واضح حتى الآن، والسبب أن الاتحاد الأوروبي لم يُحدد لجوجل ما الذي يجب أن تفعله بالضبط وترك لها مُعالجة المشكلة بشكلٍ ما، دون تقديم أية حلول أو اقتراحات واضحة.

سنقوم في هذا المقال بتوضيح خلفية الأحداث، ومحاولة طرح الاحتمالات المتداولة، ثم تقديم التوقعات بناءً على ذلك.

ما هي المشكلة أساسًا؟

المشكلة باختصار أن الاتحاد الأوروبي يرى بأن جوجل تستغل سيطرتها على سوق الهواتف الذكية بأكثر من 80% من الحصة السوقية لنظام أندرويد بهدف الترويج لمُنتجاتها وإعطاءها الأفضلية على حساب مُنتجات الشركات الأخرى ما يؤثر سلبًا على تنافسية السوق.

لفهم ما يقصده الاتحاد الأوروبي دعنا نوضح سريعًا كيف تتعامل جوجل مع الشركات المُصنّعة للأجهزة العاملة بنظام أندرويد:

أندرويد نظام مفتوح المصدر يتوفر مجانًا لكل من يريد استخدامه، وهذا يعني أن أية شركة تصنع الهواتف تستطيع عمليًا تثبيت أندرويد على هواتفها دون أن تفرض عليها جوجل أي شرط على الإطلاق. وهذا بحد ذاته رائع ولا اعتراض عليه من قِبَل الاتحاد الأوروبي (ولا تستطيع أية جهة الاعتراض عليه أساسًا). لكن ما يُزعج الاتحاد الأوروبي تحديدًا هو التالي: إن أي شركة تُريد تزويد هواتفها بخدمات جوجل (مثل متجر جوجل بلاي) فإن جوجل تفرض عليها بعض الشروط من أبرزها:

  • يجب على الشركة أن توفّر وبشكل إجباري مجموعة مُعينة من تطبيقات جوجل بشكل مُثبت مُسبقًا على الهاتف، مثل تطبيقات الخرائط وجيميل والبحث ويوتيوب وغيرها.
  • يجب على الشركة أن تضع هذه التطبيقات ضمن مُجلّد بارز على الشاشة الرئيسية للهاتف أو الحاسب اللوحي.
  • تُمنَع الشركة من إنتاج هواتف أخرى تحمل نسخة أندرويد خالية من خدمات جوجل.
  • يجب أن يتجاوز الهاتف مجموعة من الاختبارات التي تحددها جوجل كي تضمن توافقه مع جميع تطبيقاتها.

باختصار فإن جوجل تتبع سياسة (كُل شيء أو لا شيء). بمعنى أن شركة مثل سامسونج أو اتش تي سي أو غيرها لو أرادت إنتاج هاتف يعمل بنظام أندرويد ويحمل متجر جوجل بلاي فقط فهي لا تستطيع، إذ يتوجب عليها حينها تقديم الحزمة الكاملة من تطبيقات جوجل. ولو أرادت تلك الشركة تقديم هاتف خالٍ من خدمات جوجل فهي تستطيع – طالما لم تكن لديها هواتف أخرى تحمل خدمات جوجل – لكن هذا غير مُجدٍ تجاريًا (من سيشتري هاتفًا خاليًا من متجر جوجل بلاي؟).

للوهلة الأولى قد تبدو هذه شروطًا قاسية من جوجل لكن الشركة لديها تبريرات مُقنعة حول الموضوع، إذ لو لم يكن الأمر كذلك سيتحول أندرويد إلى كارثة من حيث تجربة الاستخدام ما سيؤثر سلبًا على المُستخدم الذي يحاول الاتحاد الأوروبي حمايته. لو لم تضع جوجل هذه الشروط هذا يعني أن هواتف أندرويد المختلفة ستدعم مجموعة مختلفة من التطبيقات.

لتوضيح أهمية وضرورة شروط جوجل تخيّل السيناريو التالي في حال عدم توفر هذه الشروط: أنت اشتريت أحدث وأقوى هواتف Pixel من جوجل. شاهدت عمتك الهاتف وأُعجبت إعجابًا شديدًا بالهاتف وبتطبيق الخرائط تحديدًا وهي لا تعرف ما هو أندرويد وكانت تستخدم هاتفًا غبيًا أو أي هاتف قديم بنظام آخر، المشكلة أنها لا تريد دفع ما يصل إلى 1000 دولار ثمنًا للهاتف. حينها ستنصحها أنت بشراء هاتف متوسط من موتورولا فهو يعمل أيضًا بنظام أندرويد. بعد شرائها للهاتف ستكتشف أن تطبيق الخرائط غير مدعوم، والأسوأ هو أن الهاتف لا يحتوي على متجر جوجل بلاي بل يحتوي على متجر غريب آخر يوفر مجموعة محدودة من التطبيقات!

بمثل هذا السيناريو، سيمتلئ السوق بهواتف تعمل جميعها بنظام أندرويد لكنها تقدم خدمات مختلفة، وسيكون على الزبون البحث جاهدًا عن الهاتف المناسب له. أي أن اسم “أندرويد” لن يكون بحد ذاته كافيًا كي تضمن بأن تستطيع الحصول على نفس تجربة الاستخدام في كل الهواتف العاملة بنظام التشغيل.

صحيح أنه توجد حاليًا هواتف خالية من خدمات جوجل وخاصةً في دول مثل الصين، لكن على الأقل لدينا نوعان من هواتف أندرويد فقط: الهواتف المعتمدة على النسخة مفتوحة المصدر، والهواتف المدعومة من جوجل. أما ما يريده الاتحاد الأوروبي هو توفير (سلطة) من الخيارات غير المحدودة بدعوى حماية المستهلك.

ما هي خيارات جوجل؟

لا شك أن خيارات جوجل صعبة، وقد قال سوندار بيتشاي، المدير التنفيذي للشركة بأن هذا قد يؤدي بألا يعود أندرويد مجانيًا، فما الذي يعنيه وما هي الخيارات المطروحة؟

الخيار الأول: استمرار العمل بالنظام الحالي ودفع الغرامات

وفقًا للخبراء فإن أعلى غرامة يمكن أن يفرضها الاتحاد الاوروبي على جوجل لن تتجاوز العشرة مليارات دولار في أي حال من الأحوال حيث لا يسمح القانون بأكثر من ذلك. وهو رقم ضخم لكنه لا يهز شركة مثل جوجل. ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين بأن جوجل قد تعتبر مثل هذه الأرقام (تكاليف عمل) لا بد من دفعها للاستمرار. ولو أخذنا بعين الاعتبار بأن كل غرامة من هذه الغرامات تستغرق عدة سنوات للصدور بسبب الإجراءات الروتينية وبطئ المحاكم، فإن غرامة من 5 إلى 10 مليار كل عدة سنوات قد تكون أمرًا يمكن لجوجل تمريره.

هذا أحد الخيارات التي يتحدث عنها البعض وأعتقد أن جوجل ستتبعه لكن بشكل مؤقت فقط ريثما تصل إلى حل، وإلا فإن الاتحاد الأوروبي قد يقرر فرض قوانين عقابية تتجاوز الغرامات إلى منع جوجل من تقديم خدمات معينة وما شابه.

الخيار الثاني: إلغاء مشروع أندرويد مفتوح المصدر وحصر أندرويد بهواتف جوجل

خيار كارثي على السوق والتنافسية لكنه لا يتعارض مع متطلبات الاتحاد الأوروبي. في هذا السيناريو ستُبقي جوجل أندرويد لهواتفها الخاصة (في الاتحاد الاوروبي على الأقل). أي أنك لن تجد في السوق إلا هواتف Pixel. ويمكن أن تتفق جوجل مع شركات أخرى لتصنيع هواتف أندرويد لحساب جوجل على أن تحمل تلك الهواتف شعار جوجل فقط. هذا يعني أنه يتوجب على الشركات الأخرى مثل سامسونج أو موتورولا استخدام نظام تشغيل آخر في أوروبا.

سيكون هذا ذو أثر تدميري على شركات الهواتف، لكن بما أن أندرويد سيبقى لهواتف جوجل التي ستتوقف بدورها عن إجبار الشركات الأخرى على أية شروط (كون هواتف الشركات الأخرى لن تعمل بأندرويد أساسًا) فهذا سيُرضي الاتحاد الأوروبي نظريًا.

الخيار الثالث: الوصول إلى حل وسط (أو: الحل المايكروسوفتي)

قد يكون هذا أفضل الخيارات لكنه ليس بالخيار السهل. الحل الوسط هو أن تتمكن جوجل من إقناع الاتحاد الاوروبي بالتخلي عن بعض شروطه مقابل تطبيق شروط أخرى. وهنا قد نرى شيئًا شبيهًا بما فعلته مايكروسوفت عندما واجهت قضية احتكار كونها تستغل انتشار نظام ويندوز لنشر متصفحها إنترنت إكسبلورر بشكل مُثبت مُسبقًا على حساب المتصفحات الأخرى، فكان الحل هو تقديم الخيار للمُستخدم لاختيار المتصفح الذي يرغب بتثبيته واستخدامه لدى تثبيت ويندوز للمرة الأولى.

المشكلة هي أننا في حالة أندرويد لا نتحدث عن تطبيق واحد بل عن حزمة من التطبيقات فما هي التطبيقات التي ستُجبَر جوجل على تخيير المستخدم بينها وبين التطبيقات الأخرى لدى تشغيل الهاتف للمرة الأولى، وما هي هذه التطبيقات الأخرى ومن الذي سيُحددها؟ وما هو التأثير السلبي على تجربة الاستخدام وزيادة صعوبتها وتعقيدها؟

أعتقد أن جوجل ستحاول إقناع الاتحاد الأوروبي بحل يتمثل بالتثبيت المُسبق لجزء بسيط من تطبيقاتها ومن دون وضعها بشكل بارز على سطح المكتب، مع محافظة جوجل على إمكانية فرض بعض الشروط الأخرى التي تضمن بأن تقدم جميع هواتف أندرويد نفس تجربة الاستخدام على مختلف الأجهزة.

عقلية قديمة لمشكلة جديدة

مشكلة الاتحاد الأوروبي الرئيسية هي أنه يحاول تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار القديمة التي تم وضعها قبل عصر التطبيقات والهواتف الذكية على حالة حديثة. لا بد أن تقوم جوجل وغيرها من شركات التكنولوجيا بتشكيل شبه تحالف يقوم بعمل مجموعات ضغط داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي المسؤولة، لمحاولة تحديث القوانين لحل هذه المشاكل الحالية وتجنب أية مشاكل أخرى شبيهة في المستقبل.

ما يقوم به الاتحاد الأوروبي فعليًا هو معاقبة جوجل لأنها تُجيد عملها ولأنها بارعة فيه إلى حد بعيد. وإن أي أجراء خاطئ بحق الشركة قد يؤدي إلى الإضرار بالمستهلك الذي يريد الاتحاد حمايته بالدرجة الأولى.

لا شك أن جوجل في وضع حرج حاليًا، وبأن أندرويد مُعرَّض لتغيير كبير مُحتمل لكن الحل الوسط ما زال ممكنًا وهو ما نتمناه.

التدوينة ما هو مُستقبل أندرويد بعد تلقيه أكبر غرامة احتكار في التاريخ؟ تم نشرها أولًا في أردرويد.



from أردرويد https://ift.tt/2uWo5x8

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق